تعتبر الفنانة التشكيلية حليمة الفراتي من الأسماء النسائية التشكيلية التي تتميز بأسلوب تشكيلي أنيق، يكرم المدرسة الواقعية والتشخيصية، في بعدها الجمالي والشاعري، وهو ما يمنح لأعمالها قيمة فنية وإبداعية خاصة، مقارنة مع عدد من التجارب النسائية الأخرى.
وفي جديدها الفني الذي سوف تقدمه للجمهور في أحد معارضها القادمة التي تستعد له، بلوحات غاية في البهاء، تبصم الفنانة حليمة الفراتي العصامية على حس إبداعي متجدد، لا يقدم اللوحة كما هي، بل يضفي عليها كثيرا من السحر والرونق، وهو ما يؤهلها لتكون فنانة شاعرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ويستشف المتلقي هذا الألق الشعري الممتع في أعمال الفنانة حليمة الفراتي، من خلال مزيج من الألوان والأشكال التعبيرية الجميلة، التي تحيل مرايا اللوحة إلى منطوق عابر للذات والمجتمع والتراث، ومحاكاة رقيقة لكثير التعابير الرومانسية التي تفيض بسحر طبيعي ووجداني اخاذ.
ان أعمال الفنانة التي توجدها في معرضها المقبل، كنز من كنور الذاكرة المغربية الأصيلة الموشومة بالتشهي، إنها مرايا عاكسة لعادات وتقاليد المجتمع، ولكثير من الحنين للتراث الخصب برموز وعلامات تتنوع بفيض من التبصر والحكمة، والصور التاريخية والواقعية الراقية، فيها نستنشق عبير بخور منعشة، ونعناع وشاي، ونشوة عادات تقليدية راقية.
إن أسلوب الفراتي التي تحن الى كل ما هو طبيعي ورومانسي وكلاسيكي هادئ، في إيجاد اللوحات، خاصة على القماش، يمزج بين التقنية العالية والصبر في رسم ذاك الجمال الشاعري الذي تتلمسه العين في أطياف الفسيفساء، والارابيسك، والصور التاريخية الممتعة، التي تبصم عن هوية مغربية اصيلة تبرز كم هو جميل هذا التراث المغربي المكتنز، بكثير من العلامات والصور الرائعة. هكذا هي اعمال الفنانة الفراتي، تكريم في العمق لكل ما هو تراثي، وجمال وإنساني ووجداني، انه منجز تشكيلي رقيق له زينة إبداعية احتفالية للغاية، جزء من التاريخ اليومي، والمعيش الإنساني الكوني، انه فن الحياة لها تلاوين السحر حين تزهر بربيع الحلم.
ان اعمال الفنانة في هذا السياق مزيج من الحكايا والمفاهيم القصصية والسردية، والتي تقدم تفاصيل الواقع والهوية بدون الحاجة إلى بلاغة غموض او رمزية صعبة المراس، ما يمنح للمتلقي متعة وشاعرية في الرؤى البصرية، التي تنجلى عبر سحر الأمكنة، وروعة التاريخ، وأناقة الزخارف المنمقة في المعمار والأشكال الهندسية بكل طقوسها وتجلياتها الموغلة في سحر التاريخ والتراث، وأسطورة الفن الواقعي الجذاب.
حين ترسم حليمة فهي ترسم بقبلها لا بيدها، وفي ذلك الكثير من الفيض الصوفي الذي يرفع اللوحة إلى أقصى معاني الجمال والشاعرية والرغبة في التميز، ليكون الشكيل في حضرتها احتفال بكل ما له علاقة بالهوية والتراث والتاريخ والجمال والعادات والتقاليد، كلون من الوان تجديد خلايا الفنان التشكيلي بكل تفاصيله ورؤاه ومعانيه وزخمه، ما يعمق من قوة المعنى وسحر المبنى، في تجربة الفنانة.
يشار إلى ان الفنانة حليمة الفراتي، تمتلك رصيدا فنيا مهما، وذلك من خلال مشاركتها وتنظيمها للعديد من المعارض، منها معرض جماعي سنة 2016 بالمركز الثقافي الروسي بالرباط، وكذا بالمدرسة المحمدية للمهندسين، فضلا عن مشاركتها الوازنة في ليلة الاروقة، فضلا عن معرض جماعي العام الماضي برواق النادرة، واخر بالمركز الثقافي اكدال بالرباط، الذي نظمته جمعية تنمية الصداقة المغربية الروسية والجمعية المغربية لخريجي الجامعات والمعاهد السوفياتية سابقا. وكذا معارض أخرى بكل من تمارة والصخيرات والدار البيضاء، كل هذا يؤهل الفنانة لتكون فنانة المستقبل تسير بخطى متأنية لاستكشاف عالم الرسم، ولتعيد الحياة بلوحاتها الى ضفاف كلها امل وطموح وسحر فني اخاذ.